16

بعد مرور شهران،

نحن ابناء الامس، وسيغدو حاضرنا ماضي، والمستقبل هو مانهيئ لوجوده اليوم.

اكملت الان سارة تنظيف طاولات المطعم، كان التعب والارهاق يبدوان واضحين على ملامح وجهها، ولكنها كانت مرتاحه في عملها وان كان متعب.

ثم تذكرت دوامها المسائي فعبست، لم ترتح في ذاك العمل ولكنها مضطرة عليه، فلم يبقى الا عشرة ايام فقط لينتهي نادي الكشافة الصيفي، وعليها استئجار منزل في اقرب وقت.

دخل اول الزبائن وكان شاب اعتاد على تناول فطوره يوميا هنا، وقد حفظت سارة طلباته، ابتسمت له بترحاب، وذهبت لتحضر طلبه.

اليوم السيد زوهان مشغول بتدريب المتدربين بالكونغ فو في الساحة الخلفية، وسيعج المكان بهم بعد ثلاث ساعات ليأكلوا ويشربوا.

بعد ان قدمت الطلبات للشاب جاء يشوان يسألها ان تأخذ الماء للمتدربين وهو سيكمل باقي الطلبات للزبائن.
اخذت قناني الماء الى الساحة الخلفية، كان تحب مشاهدة المتدربين وهم مصطفين في صفوف متساوية ومتوازية وبزي موحد، حركاتهم التدربية موحدة وكان السيد زوهان يتصدرهم ويقول بحركات الكونغ فو وهم ويقدونه بكل دقة، لا تعلم كيف يفعلون ذلك ولكنها منبهرة!

وضعت الماء وذهبت لتعود لداخل المطعم ولكن ما ان وصلت الى احدى الشجرتين حتى وقفت تتابع حركاتهم بعينيها، ثم بدأت تحاول تقليدهم، ترفع قدم وتحرك يد وتدور نصف دورة، حتى نظرت ثانية اليهم فوجدت السيد زوهان ينظر اليها، ارتبكت وتوقفت عن أداء الحركات، ابتسمت لتخفف من توترها وذهبت لتعود الى داخل المطعم.

"انا غبية حمقاء" هذا ما كانت تقوله في نفسها، فكم مرة حذرها يشوان ان لا تجعل اي شيء يشغلها عن عملها وخصوصا امام السيد زوهان!
فهو لا يحب المستهترين، وهي لا تريد ان تخسر عملها.
عادت تقدم طلبات الزبائن وتمسح الطاولات، مر قليل من الوقت حتى انتهى التمرين وتدافع المتدربين داخل المطعم، كانوا من عدة جنسيات مختلفة.

بدأت هي ويشوان في تقديم الطلبات بسرعة وخفة فاليوم هو يوم عمل شاق.
اعتادت سارة على العمل ومتاعبه، فلم تطلب يوم إجازة الى الآن.

كانت تستيقظ احيانا في منتصف الليل على ذات الحلم المفزع، فيزيد قلقها على آدم، وقد احضر لها يشوان رقم هاتف الكشافة من صفحتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ستستأذن السيد زوهان وتتصل بالكشافة من رقم العمل في المساء.

*********

كريستيان

كل يوم يمر خلال هذان الشهران يزيد من هوسه بالبحث عن سارة، خصوصا في اليوم الذي يذهب فيه لزيارة آدم.

كانت تزوره في احلامه دائما، يراها جالسة حزينة وعيناها دامعة.

اتصل به نوا اليوم يخبره انه ربما يجد طريقة تساعده لإيجاد سارة، بعد عدة محاولات فاشلة.

وقد طلب منه بريدها الالكتروني الذي تستخدمه في جهازها ومن خلاله يمكنهم التوصل الى مكان الجهاز.

لم يُكَذّب خبر فاتصل بميليسا مباشرة يسألها ان كانت تعرف بريد سارة الالكتروني.

بعث برسالة إلى نوا بها البريد الإلكتروني، وها هو ينتظر النتيجة.

كانت لديه عدة اجتماعات مع عملاء، انهاها وخرج وجد السكرتيرة في انتظاره تخبره ان نوا يطلب الاتصال به فور انتهاء اجتماعه مباشرة لأمر هام!

اتجه لمكتبه مباشرة وهو يطلب نوا عبر هاتفه المحمول.
نوا: لقد قمت بتتبع رسائل البريد الإلكتروني التي تصل إليه. وتم رصد ان رسائل البريد الإلكتروني لا تصل الا الى جهاز هاتف واحد وهو نفس الجهاز الذي اعطيتني مواصفاته!
كريستيان: هل يعني هذا انها تستخدم رقماً آخر؟
نوا: لا نعلم، ولكن هذا يعني ان الرسائل تصل إلى الجهاز والجهاز مفتوح.
كريستيان: والى ماذا يوصلنا هذا بالتحديد؟
نوا: استطيع تتبع مكان الجهاز عن طريق نظام تحديد الموقع المفعل في تطبيق البريد الإلكتروني.
كريستيان بإبتسامة نصر: افعل ذلك واعدك انني سأنفذ لك ماوعدتك به.
نوا: حسنا، انتظر مني اتصال.

وقف امام النافذة الكبيرة لمكتبه وهو يفكر؛
هذه الفترة كانت حياته سلسلة فالاعمال مستقرة، وفيرونيكا لم تحاول ان تتواصل معه منذ ان وضعها في الحظر.
بقي امامه ان يجد سارة لأجل آدم وميليسا.

********

تجلسان تتسامران في المقهى الفرنسي المعتاد، فبعد رجوع سالي الى الوطن بصحبة زوجها بدأت تلتقي بميليسا كثيرا، وتوطدت صداقتهما، لم يكن فارق السن كبير، فسالي تكبر ميليسا بست سنوات فقط.

بدأت مظاهر الحمل تظهر على سالي مما يزيدها جمالا.
ميليسا: اتقصدين انكِ تريدين عمل حفل؟
سالي: اجل سأفاجئه به، انه عيد ميلاده.
ميليسا: حسنا، وبم تريدين ان اساعدكِ؟
سالي: في التحضير للحفل يا ميليسا، فلم يعد امامي وقت.
ضحكت ميليسا لتوتر صديقتها: اعتقد ان اسبوع هو فترة كافية.
عقدت سالي يديها امام صدرها وقالت: اعتقد انني ساعدتك في موضوع الرقم، اذا يجب ان تساعديني انتِ ايضا!
ضحكت ميليسا وقالت: يا إلهي يا سالي وانا لم اخبركِ بغير ذلك.
فركت سالي جبينها: يبدو ان هرمونات الحمل تؤثر في!

بعد ان تناقشتا في موضوع الحفل، بدأت ميليسا تسأل سالي ان زوجها توصل الى شيء جديد يخص رقم سارة، فقد اخبرهم انه سيبقى يراقب الرقم فيما تم تشغيله في يوم ما.
ولكن سالي نفت وقالت ان لا جديد.

كان كريستيان قد طلب من نوا ان يتكتم على اي اخبار تخص الرقم ولا يخبر بها احد غيره!

سرحت قليلا ميليسا بتفكيرها، واخذت تتلاعب اصابعها بسلسال يظهر منه القليل في رقبتها وهي تخفيه تحت ثيابها.
ارتشفت سالي رشفة من عصيرها ثم قالت وهي تلاحظ شرود صديقتها: ما قصة هذا السلسال الذي بدأت الاحظه دائما في عنقك؟
ميليسا اخرجت السلسال وقالت: انه امانة عندي واريد ارجاعه الى صاحبته.

*********

ميكائيل

يجلس تحت شجرة في مزرعة السيد علي وهو يشعل سيجارة، انها عادة جديدة لديه، اكتسبها بعد خروجه من السجن.

ينفخ دخان السيجارة امامه ومن بين الدخان رآها تمشي متمايلة امامه وفي يدها سلة.
وما إن رآها حتى اطفأ السيجارة ورماها بعيدا، كانت شخصيته متحفظة قليلة، ويحترم النساء كثيرا، كيف لا وهو الذي تربى على يد شيخ حافظ لكتاب الله وسطي غير متشدد.
وعندما توفي والداه ربته اخته الوحيدة والتي كان زوجها ايضا انسانا خلوقا.

وصلت اليه وهي تنظر على استحياء وخجل، قالت بصوت خجول: لقد صنعت بعض الكعك والمقروض وامي اعدت خبز التنور، واعتقدت انك ربما تريد بعضا منهم مع الشاي.
كانت لغزال الريم، هادئة، رشيقة، سمراء، عيونها كحيلة. لم يستطع انزال عينيه من عليها كلما رآها، كانت تأتي اليه كل بعد يوم او يوما، في كل مرة بحجة!
قال لها: ما إسمك؟
رفعت عينيها اليه وياليتها لم ترفع، كأنه ينظر لبحر عميق يصعب الخوض فيه.
خفضت بصرها بسرعة وقالت: ملاك.
ميكائيل: شكرا لكِ على الحلويات والخبز.
قالت: هل انت دائما هكذا هادئ وصامت؟
ميكائيل رفع حاجبا فقد احس انها تريد فتح حديث معه: ما إن وجدت مايحفزني على الحديث فإنني افعل.
قالت بخجل: اسفة لم اقصد التطفل، ولكن لاحظت انك لا تحب الحياة الاجتماعية.
ميكائيل ابتسم وهي لم تصدق ما تراه، الابتسامة غيرت شكله.
قال: على العكس انا احب الحياة الاجتماعية ولكن مع المقربين مني فقط!
قالت بتوتر: وهل تتحدث مع المقربين فقط ايضا؟ فلم أرك تتحدث مع احد اطلاقا.
ميكائيل بدأ يتسمتع بإرتباكها: لم اعد احب الحديث الا مع من اجدهم يستحقون كلامي ووقتي!
سكتت تفكر فقال: ثم، ها انا أتحدث إليكِ.
ابتسمت وذهبت مسرعة، لا تريد ان يشاهد احمرار خديها.

لم تذكره بسارة! ربما انها بنفس سنها تقريبا!
سارة التي لم تكن تعرف كيف تقلي بيضة، كيف تدبر امورها؟ كانت مدلله من قبل والدها وقبله هو.
اعتبرها اخته وفرح كثيرا عند مولدها، ومن اول يوم ولدت اصر دائما على العناية بها وحمايتها.

لقد اتصل بالسفارة منذ مدة وبعد الحاح وعدة اتصالات واخيرا اخبروه منذ خمسة أيام فقط، انها قبل مايقرب من الثلاثة اشهر قد اتصلت تريد العودة الى الوطن ولكن بسبب حظر الطيران لم يستطيعوا مساعدتها.
الاوغاد لم يحاولوا حتى مساعدتها، لقد اخبروه انها بعد مدة قدمت طلب بفقدان جواز سفرها.
يريد التقديم على تأشيرة ولكن لا يستطيع حتى الخروج من البلاد، ما عساه يفعل؟ كيف يساعدها وماذا تفعل وكيف تعيش هي وآدم؟
لا يستطيع حتى النوم من التفكير ويكاد يفقد عقله، حتى لو سافر فكيف سيعثر عليها هناك؟

سبحان من ينبث في وسط الصحراء الخالية واحات ونخيل ومياه غذبة.
فسبحانه يجعل القلوب تلين وان كانت من حديد!

***********

أبكي احيانا واصبر احيانا اخرى، وانا اجهل مصير اختي سارة.
بعد اقل من اسبوعان سوف ينتهي الكشاف، الى اين سأذهب؟
جلست حزين جدا لا أدري كيف اتصرف.
احلم بها دائما تربث على شعري وتبتسم ثم تذهب.

لقد جمعت بعض المال من المسابقات في الكشافة ولكن لن تكفيني، هل سيذهبون بي لدار الايتام؟

انا احب كريستيان وميليسا ولكن اعتقد ان اختي سارة لن تكون سعيدة ان بقيت معهم فهم السبب فيما هي فيه.

ذهب جيڨان اليوم الى كريستيان ليسأله اذا استجد شيء جديد.
لقد قدموا بلاغ إلى الشرطة ولكن لم نستفد شيء فقد اخبروهم انها غير مسجلة في سجل الشرطة وايضا غير موجودة في المستشفيات ولا في سجل مجهولين الهوية.

قال في سره:
"اين انتِ ياسارة؟"

- أدم، أدم اين انت؟
التفت لأجد احد الاولاد ينادي علي.
آدم: انا هنا.
- ان القائد يناديك في مكتبه وهو يستعجلك.
ذهبت مسرعا الى المكتب، دخلت ووجدت القائد يمسك بهاتف في يده، تحدث خلاله وقال: تفضلي آنستي انه معكِ، ومد لي سماعة الهاتف.
استغربت فمن سيتصل بي، اخذت الهاتف وانا انظر إلى وجه القائد ولكن لم أرى في ملامحه اي شيء.
وضعت سماعة الهاتف على اذني.
قال القائد يحثني: تحدث.
آدم: نعم؟ من معي؟
- آدم؟ هل هذا انت؟
تسارعت دقات قلبي واتسعت عيناي من الصدمة.

********
سارة

بعد ان ذهب المتدربون وخف العمل قليلا داخل المطعم، جاء اليها يشوان واخبرها ان السيد زوهان يريدها في مكتبه.
يشوان: هل فعلت شيئا يغضبه؟
لم تجب تحركت الى المكتب فورا، ربما لم يعجبه تصرفها هذا الصباح!
يالهي انه ليس بالوقت المناسب ليتم طردها من عملها!
طرقت طرقات خفيفة على باب المكتب، ثم دخلت بعد ان أذن لها بالدخول.
اشار بيده الى الكرسي الذي يقابل مكتبه وقال: تفضلي، اجلسي.
جلست وهي تحس بالارتباك.
السيد زوهان: لقد أشادت بكِ يو يان ابنة اخي كثيرا، وطلبت مني توظيفك.
سكت قليلا: بالرغم من ان اخي والد يو يان لم يشجعني، ولكني اثق في حكمة يو يان. نحن الصينيون نتمسك بمبادئنا ونحب الالتزام بالمواعيد والضوابط.
نهض من كرسيه وذهب إلى طاولة في زاوية المكتب وسكب كوبين من الشاي.
قدم لها واحد ثم جلس على الكرسي الذي يقابلها وبدأ يرتشف الآخر.
كان بلحيته الطويلة البيضاء وخفة حركته وقوة ملاحظته يبدو ذاك الرجل الحكيم الذي تسمع عنه في الحكايات والاساطير!
تابع يقول: كما ترين فأنا شيخ عجوز ولكن لدي حكمة ونظرة في الناس وعلى الاغلب لا تخيب.
انا أراك فتاة طيبة واخلاقكِ جميلة، لقد رأيتكِ اليوم تحاولين التدرب على بعض حركات الكونغ فو!
سارة بخجل: اجل، انا اعتذر لم اقصد التطفل.
السيد زوهان: هل تحبين الكونغ فو؟
سارة قالت وقد فاجأها السؤال: لا، اعني لم افكر فيه من قبل، في الحقيقة اعجبني كثيرا دفاع يو يان عن نفسها وتمنيت لو انني استطيع الدفاع عن نفسي ايضا.
ابتسم السيد زوهان، وهو نادر الابتسام.
وقال: سأعطيكِ مفتاح الغرفة الشرقية، تستطيعين استعمالها، فهي متسعة واعتقد انها ستعجبكِ.
قالت ببلاهة: الن تطردني؟
قال السيد زوهان بإستغراب: ولم افعل ذلك؟ يبدو ان يشوان يبالغ في تحذيراته وتوصياته لكِ، تستطيعين ايضا بدأ حضور دروس الكونغ فو اذا رغبتِ.
سارة متفاجأة: حقا؟ اشكرك كثيرا سيد زوهان.
وبعد شكره نهضت متجهة إلى الباب، ثم تذكرت شيء ما فاستدارت وقالت: هل استطيع استخدام هاتف المطعم للاتصال بأخي والاطمئنان عليه.
ابتسم وقال بلطف: بالطبع تستطيعين ذلك.

اتجهت مباشرة وهي سعيدة تبحث عن يشوان حتى وجدته في صالة المطعم يأخذ بعض الطلبات من الزبائن، أومأت اليه بيديها ليسرع، نظر اليها واخذ الطلبات واسرع الى حيث تقف.
يشوان: ها بسرعة ما الذي حدث؟
جذبته من يده وهي تمشي مسرعة الى ان وصلا بجانب الهاتف، وقالت: بسرعة اعطيني رقم نادي الكشافة الذي احضرته.
كانت سعيده كثيرا، واخيرا ستطمئن على اخيها آدم، ولكن ينتابها شعور بالخوف ايضا من ان يكون قد اصابه مكروه او اي شيء سيء!
اخذت الرقم بيد مرتعشة من يشوان وضغطت الارقام على لزرار الهاتف وبدأ يرن عند الطرف الآخر.
ثقلت اطرافعا وبردت، وما ان فتح الخط حتى وضعت يدها على قلبها. يشوان يراقبها بصمت.
القت التحية ثم سألت عن آدم مباشرة، فسألها الذي يحادثها عن هويتها فقالت انها قريبة له وتريد الاطمئنان عليه. اخبرها ان تنتظر قليلا ريثما يخبره.

انتظرت قليلا ثم جائها صوت الرجل يخبرها ان آدم سيحادثها الآن.
بصوته الطفولي الذي اشتاقت كثيرا وكثيرا جدا لسماعه قال: نعم؟ ممن معي؟
قالت بلهفة غير مصدقة: آدم؟ هل هذا انت؟

********
كريستيان

قرر الذهاب الى نادي الملاكمة اليوم، وقف أمام عمود الملاكمة وبدأ ببعض ضربات الاحماء.
يومان لم يرها في حلمه، اهذا يعني انها بخير، ام انها ليست بخير؟
لا يعلم لم يفكر بحالها لهذه الدرجة، وكأن شيء ما يفوق قدرته يسيره ويجبره على ان تبقى داخل مخيلته، ولا يذكر سوى عينيها في ذاك اليوم المشؤوم ونظرة الحزن والالم فيهما.

يشعر وكأن شيء اكبر من مجرد انه يريد مساعدتها ما يدفعه لإيجادها، يشعر وكأنه سيجد حلولا وإجابات لعدة أمور تشغل باله منذ مدة طويلة، ذلك السكون الذي يلفها، تلك الحالة من الطمأنينة التي تحيط بها.

يشعر وكأن لديها سر، وسر عظيم يود اكتشافه.
لم يشعر بنفسه الا وانفاسه تتثاقل وهو يلكم العمود بكل قوته، ينفس عن غضبه، غضبه الذي لا يجد له سبب محدد.

هناك احاسيس تبقى بين جنبات الانسان ولا يشعر بها سواه، يداريها ويخفيها عن اعين البشر، وعن اعين اقرب الناس حتى، فيها ضعفه وانكساره والمه ووحدته، ذلك الجانب المظلم الضعيف الذي ان كشفه للغير كسر وخذل وظلم.

لا تكشف كل اوراقك، ولا تظهر كل نقاط ضعفك، حتى لأقرب الناس الى قلبك، فمنهم من يتغذى على ضعفنا لينمو ويتكاثر ويتعاظم، يمسكنا من نقطة الضعف فينا لنصبح امامه خانعين ومنقادين.

تلك هي النقاط السوداء التي لا يخلو بشري منها، نقاط الضعف، ادفنها واردمها ولا تظهر ابدا ما حييت، لا تؤمن احد عليها الا نفسك.
فإن هجرت البشر، وجلست في وحدتك وخلوت نفسك، اظهرها وتأملها وتقبلها، تسامح وتصالح مع وجودها فيك، فهي انت وانت هي، ثم ادفنها مجددا بين جنباتك ولا تخبر احد عنها!

كريستيان يبحث عن شيء لا يعلم شكله، ولا يعلم ماهو، يشعر ان روحه تبحث عن هذا الشيء، لم يهتدي بعد لإيجاده، يبحث عن سراب يعتقد في معظم الاحيان ان لا وجود له.

بعد ان ضرب ضربته الاخيرة على العمود، جلس وهو خائر القوى، ولا زالت تطوف حوله بخيالها يراها احيانا ويتحدث له احيانا اخرى!

للارواح عالمها الخاص، تلتقي تتسامر وتتآنس، فالارواح الزكية عطره طيبة وكنسمة الصباح.
فالروح تلتقي بالروح التى تتآلف معها وتستأنس لها.
الروح الطيبة مخلوق جميل وهي دائمة الشباب لا تشيخ!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي