72

(رسمة كلوديا)




أول ليلة في السجن كان أصعب ليلة على الفتية وأهاليهم.
كان ثلاثتهم في نفس الزنزانة متلاصقين بجوار بعضهم البعض.

لم تغمض لهم جفن، وكذلك عائلاتهم، كان الوضع صعب جدا على الجميع، فالتهمة بجريمة قتل تعني أن يقضوا أجمل سنوات حياتهم إن لم تكن كلها في السجن.

دموع كل من سارة وكلوديا وفيفيان لم تنشف، ولكن ليس بأيديهم أي حل!

جاء الصبح والجميع لم ينم بعد، ومن بعد ذلك الصبح أصبحت الأيام تتوالى بين بطيئة وسريعة، ومرت إجتماعات الفتيان مع المحامين بلا إنقطاع، ودموع الأمهات والأحباب لم تجف، حتى جاء يوم المحاكمة.

كان الجميع متوتر، والعلاقات الزوجية أيضا تأثرت كثيرا بين الأزواج، ولكن مزال المركب سائرا ولم يغوص بعد.

ارتدى الفتيان ثيابهم ثم أخذهم الشرطي الى صندوق سيارة الشرطة وصعدوا إليه.

وما إن وصلوا حتى بدأ الصحفيون بالركض نحوهم وكاميرات المصورين لا تهدأ، والأسئلة لا تتوقف، حتى وصلوا إلى داخل مبنى المحكمة.

كانوا مرتدين بدلاتهم ومصففين شعورهم من أجل الإمتثال أمام القاضي.
كان مظهر شباب رائع إلا إن الحياة عاكستهم وقست عليهم كثيرا، جعلت منهم يكبرون قبل الأوان، خصوصا ذاك المسكين آدم فقد سرقت طفولته والآن على وشك أن يسرق شبابه وأحلامه، سارة تكاد تموت من أجله، هي لا تشعر أنه أخاها بل وكأنه ابن لها أنجبته من أحشائها.

جلس الجميع في قاعة المحكمة في انتظار إحضار المتهمين ودخول القاضي.

دخل القاضي ومن بعده أدخلوا المتهمين، وما إن دخل المتهمين حتى عمت الفوضى قليلا فأسكتها القاضي بطرقات صارمة من مطرقته.

كان المحامي الذي يترافع عنهم من أفضل وأشهر المحامين في البلاد!

وبدأت جلست الإستجواب وأخذوا يسألون المتهمين بأسئلة ذكية تحتاج التفكير الجيد قبل الإجابة عنها.

وسارت المحاكمة بشكل عسير عليهم، وأخيرا قرر القاضي أن القضية واضحة خصوصا بعد ثبوت أن نيكولاس مدمن مخدرات وزبون دائم عند كلارك وهو هارب من أهله ولا يملك المال ليشتري حاجته.

وكان الدليل الأقوى هو وجود بصمات أصابع نيكولاس حول مقبض السكين الذي قُتل به كلارك!

"حكمت المحكمة على المتهمين آدم الحامدي وجيف فردريكوا بالسجن لمدة خمس سنوات مع الأشغال الشاقة بتهمة التستر على جريمة قتل والمساهمة فيها."

عمت الفوضى القاعة مجددا من الرافضين للحكم، فطرق القاضي بمطرقته وأكمل قائلا: "وكما تم الحكم على المتهم نيكولاس كلاي بالسجن لمدة خمسة وعشرون عاما بتهمة القتل العمد، وخمس سنوات بتهمة تعاطي المخدرات مع الاشغال الشاقة، انتهت الجلسة."

وما إن نطق القاضي بهذه الكلمات حتى خرج مسرعا من قاعة المحكمة ليتجنب الإعتراضات والدموع والأسئلة!

ركضت فيفيان كالمجنونة ناحية ابنها هي وزوجها، دموعها غزيرة لا تصدق ما سمعته منذ قليل، كانت تسعى جاهدة لأن يكمل ابنها افضل تعليم ويتخرج بدرجات عليا، ويكون له مستقبل باهر ولكن كل هذا الأحلام تحطمت إلى قطع صغيرة جدا لا يمكن جمعها!

كان يقف بين صديقيه كالمصدوم ثلاثون سنة في السجن؟ هل ما سمعه صحيح؟ ثلاثون عاما من عمره محتجزا كالمجرمين وهو لم يفعل أي شيء!! لابد أنه سمع خطأ، ولكن دموع أمه وأبيه جعلته يدرك أن ما سمعه كان حقيقيا، وأنه سيكمل كل حياته في السجن لجرم لم يرتكبه.

شعر وكأن ملك الموت يقف فوق صدره فبدا كمن يرقص رقصة المبذوح، وهو يتحرك ويمسك بقضبان القفص الذي هو داخله ويقول بعدم تصديق: "أنا برئ أقسم إنني برئ، أنا لم أقتله، لقد وجدناه ميتا"

نظر بذعر ناحية والديه وأضاف: "أمي أبي لا تصدقا ذلك، أنا لم أفعل ذلك ارجوكما صدقاني."

بكا ستيف بكاء لم يبكه مسبقا ابدا، تمنى لو يستطيع أن يدخل السجن بدل من ابنه، وفيفيان أمسكت بيدي ابنها من بين القضبان وقالت: "أصدقك يا فلذة كبدي، آه عليك يا إبني."

وفجأة أمسك الحارسان نيكولاس من كلتا ذراعيه وجذباه فإنفكت أصابعه من بين يدي والدته وهو يصرخ ويرفس: "أبي أرجوك ساعدني أنا برئ!".

ثم غاب عن النظر.

ونفس هذا ما حدث مع صديقيه، إلا أن وقع خبر مصيبة نيكولاس جعلت مصيبتهم أهون!

حاول آدم أن يطمئن أخته رغم صدمته فهو يعلم أنها تعتبره الحياة والوطن الذب حرموا منه.

وأما جيف فقد أمسك بيدي والديه بشدة وهو يقول: "أنا أسف، احبكما كثيرا"

ثم تم انزاعهما ايضا.

-


بات البؤس مخيما على الجميع، المنازل لا روح فيها، مجرد جدارن وأبواب وأثاث، أصحابها موتى وهم على قيد الحياة.

كيف سيستطيع فتى في عمر السابعة عشرة أن يتحمل أهوال السجون!

تم سجن جيف وآدم في سجن الإصلاحية مؤقتا حتى يتموا الثامنة عشرة من عمرهم، وأما نيكولاس فقد تم وضعه في مركز إعادة تأهيل مدمنين المخدرات من المساجين، اي فرع من السجن المركزي.

مرت أيام عجاف عليهم، كان أغلب المساجين من المجرمين والمتنمرين.

ومن حسن حظهما آدم وجيف أنهما كانا في نفس الزنزانة.
ولكن نيكولاس كان وحيدا، وأي عذاب رآه في مركز إعادة التأهيل الأول كان رفاهية مقارنة بهذا المركز، فهذا المركز يتعامل على أن كل الموجودين فيه من الأساس مجرمين ويستحقون ما يحصل معهم!

نظر نيكولاس حوله في رعب، كيف سيتأقلم مع كل هؤلاء المجرمين، إنهم يرمقونه بنظرات مخيفة، منهم السارقون ومنهم المغتصبون ومنهم السفاحون.

جلس في إستراحة السجن وحيدا، حيث يخرجونهم لمدة نصف ساعة فقط، لأن السجن هنا أكثر تشددا، لأنهم يحتاجون أن يتأكدوا من إن المساجين لا يحصلون على أي مواد ممنوعة بأي وسيلة!

وكانوا يخرجون كل ستة للإستراحة حتى يستطيعوا السيطرة عليهم.
اختار نيكولاس زاوية بعيدا عن الذين بدأو بلعب كرة الطائرة وجلس فيها يراقبهم من بعيد.

جلس بجانبه شاب يبدوا في العشرين من عمره وقال له: "يبدوا أنك جديد هنا!"

أومأ نيكولاس برأسه إيجابا فهو لا يريد أن يختلط بأي من المساجين أو أي أحد.

"لما لا تشارك البقية اللعب؟ فهذا سيستنزف طاقتك ويجعلك تنام جيدا وأيضا يساعدك في التخلص المبكر من الإدمان" قال الشاب.

التفت إليه نيكولاس وقال: "لا أرغب حقا في ذلك!" ثم وقف وإتجه نحو صنابير المياه يتذرع بأنه يريد أن يغسل وجهه.

نظر له الشاب بإبتسامة جانبية ثم عاد ليلعب كرة الطائرة.
سرعان ما إنتهت الإستراحة البسيطة وعاد نيكولاس إلى الزنزانة الإنفرادية، ففي مركز إعادة التأهيل لا يقومون بجمع المساجين سويا، ولا يسمحوا لهم بتوطيد علاقاتهم ببعض إلا في حلقات العلاج التي يقوم بها مدربون ثلاث مرات في الإسبوع.

وأيضا يحقنون لهم مواد لتخفيف من أعراض حاجة الجسم الى المخدرات.
جاء موعد الطعام وأدخل الحارس الطعام إلى نيكولاس، كان الطعام غير لذيذ وأكله فقط بسبب الجوع، نزلت دمعة من عينيه غير مصدق أن هذه ستصبح حياته حتى الثلاثين سنة القادمة.

اشتاق إلى الطعام الذي كانت تعده الجدة ناردين بكل حب، يا ترى هل سمعت بم حدث له، هل ستصدق أنه فعل ذلك!

انهى طعامه وأمسك كتاب كان قد أعطاه إياه مشرف العنبر، كل مسجون يعطونه كتاب وعليه أن يكمله خلال إسبوع!

كان بعض المساجين يكملون الكتاب في يومين بسبب الملل والوحدة، وأحيانا يقفون على باب الزنزانة حيث ان بابها من القضبان ويصيحون يتحدثون مع بعضهم!

إلا إن الحراس لا يسمحون لهم بذالك دائما!

--

أما الأجواء عند جيف وآدم فهي مختلفة تماما، فمنذ أن وطأت قدميهما السجن، سجن آخر ليس الأول الذي كان قبل الحكم، فبعد أن نزلوا من سيارة السجن ودخلوا باب السجن حتى دفعهم الحراس حيث قال احدهم وهو يدفعهم إلى الأمام: "أسرعا أيها المجرمان"

وبعدها قادهما إلى حجرة ما بجانب مكتب آمر السجن وقذف إليهما ببدلة زي السجن وأخبرهما أن يسرعا في إرتدائها.

ثم فتح باب الزنزانة التي سيقيمون بها ودفعهم الآخر إلى داخل الزنزانة، كانت زنزانة صغيرة بها سريران حديديان ومرحاض فقط، حتى نافذة لا يوجد بها، إذ إن أحد حوائطها عبارة عن قضبان وبها الباب، وكل الزنازين بهذه الطريقة.

ومن سوء حظهم كان في الزنزانة المقابلة لهم شاب لا يعرف الحياء، بل على العكس يتعمد مضايقتهم وهو يضايق أيضا الشاب الذي معه في الزنزانة.

بعد مرور عدة ساعات فتح الحارس الزنزانة وأمرهم أن يخرجوا نحو الساحة يتبعون السائرين أمامهم ولا يقوموا بأي مشاغبة أو محاولة للهرب، فهذا سيتبب في عقابهم أو حرمانهم من الوجبات.

وصلوا إلى الساحة ووجدوها ممتلئة، جلسا في زاوية بعيدة عن البقية، ولكن الانظار كانت عليهما حيث أنهما الوافدين الجديدين.

جلسوا قليلا فجاء إليهم ثلاث شباب، وقفوا أمامهم يرمقونهم بنظرات إستهزاء ثم إقترب أوسطهم وقال: "أريد الجلوس هنا، اذهبا وابحثا عن مكان آخر لكما!

نظر لهما جيف بإستهزاء أيضا وتجاهلهما وأخذ يقرأ الرواية البوليسية التي أعطاها إياه آدم، حيث إن سارة أحضرت العديد من الروايات التي يحبها آدم ليقرئها ويسلي نفسه بها.

أومأ الشاب الأوسط إلى أحد الشابين فتقدم وأخذ الكتاب من بين يدي جيف وهو يضحك ضحكة مقززة. مسح جيف على وجهه بكلتا يديه يحاول أن يتمالك نفسه، فهو لا يريد الدخول في مشاكل تسبب له المزيد من السجن أو العقوبات.

"اعد الكتاب وسأعتبر ما حدث لم يحدث!"
قال جيف وهو يتجنب الغضب.

مد الشاب يده إلى الشاب الذي بيده الكتاب وقال: "هاته".
امسك الكتاب وناوله إلى جيف وما إن مد جيف يده ليأخذ الكتاب حتى سحب الآخر يده وبدأ يتمزيق الكتاب أمام ناظري جيف وآدم وهو يبتسم ابتسامة جانبية تدل على الإستهزاء.

لم يتمالك جيف أعصابه بسبب هذه النقطة (الاستهزا). وقف وفرد ظهره ثم أمسك ذراع الشاب ولواها له حتى صرخ من الألم، وهمس في أذنه وقال: "إياك وأن تستفزني ثانية"

اقترب الشابين الآخرين ليهجما على جيف فرما نحوهم صديقهم بقوة حتى سقط ثلاثتهم بسبب عدم التوازن، ومنذ تلك اللحظة أصبح جيف عدو لدود لهذا الفتى!

ولكن الشاب لم يتراجع ففي السجن هي معركة البقاء للأقوى، فهجم على جيف هو وصديقيه، فتدخل آدم وصار يضرب مع جيف، كان جيف محبطا جدا، لدرجة أنه صب جام غضبه على ذلك الشاب وضربه بقوة فتجمع حولهم المساجين وجاء أفراد الشرطة راكضين.

امسك احدهما بجيف والآخر بالشاب الذي تشاجر معه جيف واقتادوهم نحو مكتب آمر السجن.

دخلوا وصدمهم الآمر حين أخبرهم أنه سيزيدهم شرطة تبين أنهم مشاغبون من أول يوم.
وهذا يترتب عليه ساعات إضافية في الأعمال الشاقة.

وبعدها توجه بهم الحارس إلى ساحة خلف السجن، حيث يقومون بالأعمال الشاقة.
"عليكما نقل هذه الحجارة الى ذلك المكان"

أشار إلى كومة بعيدة من الحجارة، فقال له آدم: "ولم تمت معاقبتنا نحن فقط لما لم تعاقبهم هم أيضا، فهم من تسبب بالمشكلة أصلا."

نهره الحارس قائلا: "اعمل عملك وليس لك دخل بغيرك." وذهب وتركهم.


--

جلست وحيدة في غرفتها وهي حزينة، فمنذ أن نطق بالحكم لم تخرج أبدا، حتى طعامها أصبحت تأكله في غرفة النوم. فكيف ستستمتع بالحياة وفلذة كبدها مسجون، عليها أن تسجن نفسها مثله!

وزوجها لم يحاول الحديث معها، أحس أنها أصبحت تكرهه وتمقته، إنها حتى لم تسأل عنه أبدا، كانت كما المغيب عن عالم الحقيقة والواقع!

ولكنه قرر اليوم بعد اسبوعين من المحكمة أن يدخل إليها ويذكرها بوجوده.
لم قرع الباب إنما فتحه مباشرة ليجدها تجلس في هدوء وهي تضع ورقة على السرير وقلم في يدها وترسم شيئا ما.

أما هي فما إن رأته حتى إرتبكت ولعنت تلك اللحظة التي قررت فيها أن ترسمه بهذا الشكل!
لا تستطيع الآن أن تخفي الرسمة، ربما فقط إن لم تركز عليها وتجاهلتها فلن يلحظها هو.

نظر لها بنظرات حزينة تكشف ما في قلبه من حزن، اقترب منها وجلس بجانبها. تظاهرت بأنها ستدخل إلى الحمام، فقال هو: "إلى أين؟"

نظرت له وقالت وهي تحاول أن تجعل صوتها عادي: "سأدخل لكي أستحم!"

نظر لها بشك ثم قال: "اعتقد تستطيعين تأجيل ذلك لدقائق"

كان سميث رغم استخدامه للعنف احيانا ولكنه أيضا سخي جدا في مشاعره معها، دائما ما يخبرها بحبه لها، ولكن هو يعتقد الآن أن كلمات الحب لن تجدي نفعا.

لاحظ إن كلوديا قد تغيرت كثيرا منذ ذلك اليوم، ربما لأن لقلب المرأة حدود، فهي تعطي حبا غير مشروط، تعطي بدون مقابل ولا تنتظر مدحا، ولكن احذر من انقفال قلبها، فهي تنسى مفاتيح الاقفال ولا ولا تجدها مجددا!

امسك يديها وقال: "أرجوك ياكلوديا، دعينا نتحدث، لا يمكن للأمور أن تبقى دائما هكذا، لقد اشتقت إليك كثيرا."

قالت بإصرار وتحدي في عينيها: "هذا لا يكفي عليك أن تتعالج توماس."

وعلى حين غرة امسك الرسمة التي اخفتها تحت الوسادة، سحبها من تحت الوسادة وأخذ يتأملها.

كان هو في الرسمة!

وكان له قرنان!

لقد رسمته كشيطان!

ألهذه الدرجة تراه وضيع! ألا يوجد شيء جيد تراه فيه!

قالت تبرر نفسها بصوت متلعثم: "لا أعلم ماذا دهاني! لقد كنت أرسم رسمة عادية، ولكن فجأة....."

اكمل عنها وقال: "بدت الفكرة مغرية، صحيح؟ أو ربما يجب أن نقول مثالية!"

صمتت ونظرت نحو النافذة وهي تفكر، أيلومها بعد كل شيء حدث لها بسببه!

قال مقاطعا افكارها: "منذ متى وانتِ ترسمين؟"

قالت مستغربة سؤاله: "بدأت في رسمها منذ حوالي الخمس ساعات!"

اغمض عينيه لدقائق يحاول ضبط أعصابه ثم فتحهم ونظر نحو عينيها او لنقل نظر إلى داخل روحها مباشرة وقال: "اقصد منذ متى وانتِ تجيدين الرسم!".

لهثت وفمها مفتوح ثم رمشت عدة مرات بسبب الصدمة وقالت وهي تنظر نحو النافذة لتتجنب نظراته: "انا أجيد الرسم منذ أن كنت في التاسعة من عمري!"
- "لماذا لا علم انا بذلكك من قبل!"
- " لم تكن تهتم، لا اعتقد أنك تعرف العديد من الاشياء حولي في الحقيقة."
- " اذا لما لم تطلعيني عليها؟"
- "انت علم ظروف زواجنا، لم تكن تحبني حقا، نحن فقط واجهة اجتماعية جيدة، ولكن في الحياة الواقعية ضعفاء جدا وعلاقتنا هش حد قشور البيض!"


هل ما يسمعه حقيقي، هل حبه لها لا يساوي أي شيء عندها! قال لها بصدمة حقيقية تعبر عن ما يشعر به: "وانتِ؟ ماذا عن مشاعرك نحوي كلوديا؟"

اجابت بتردد لم يفهم هل كان سببه عدم اليقين ام الخوف من غضبه: "مشاعري الآن لا تهم، فبعد كل شيء نحن خسرنا رابطنا!"

كانت تقصد غياب ابنهما جيف، هل تظن انه لن يقوم بكل ما بوسعه لكي يخرج ابنه!!

هب واقفا ولم يسألها حتى ماذا تقصد!

خرج وأقفل باب المنزل خلفه بعنف، خرج وهو عارف مقصده، انه يعلم اين هدفه وعليه أن يتهي هذا الأمر في أقرب وقت!



--

فيفيان؛

كان الجميع يتوقع انهيار فيفيان بعد ما مرت به، إلا أنها كانت عكس ذلك تماما، فقد كانت يد بيد مع زوجها من مكتب محاماة إلى آخر بحثا عن حل أو ثغرة قبل أن يرفعوا قضية إستئناف!

تحاول أن تكون صلبة، وتوماس يبحث معهم هو وكريستيان وسارة، يوزعون أنفسهم لعدة محامين بحثا عن الأفضل، لدرجة أنها عملت بحثا علميا في كتب القانون تبحث فيها عن حل ما، كم تمنى توماس أن تشارك كلوديا معهم في البحث.

ولكن كانت حبيسة الصدمة فما تعرضت له على مر السنوات ليس بهين.

وكانا فيفيان وزوجها مصران على إيجاد حل لإبنهما حتى إن عنى ذلك عدم النوم أو حتى الحياة نفسها!

على أضعف الإيمان أن يأخذ حكم مخفف!

ذاهبة في الطريق لتزور ابنها في مركز معالجة المدمنين، كانت فيه الزيارة فيه مسموحة يومان من كل إسبوع من اجل دعم المدمنين ليسمروا.

عكس الإصلاحية والتي للآن لم يسمحوا لهم بالزيارة، حيث إنها غير مسموحة قبل أن يبقى السجين شهر كامل في الإصلاحية قبل أن يسمح لعائلته بزيارته، وبعد الشهر يسمح لهم بالزيارة مرة في الأسبوعان، ثم كمكافئة له على حسن التصرف.

جلست مع زوجها في صالة الزيارة في انتظار ابنها، جاء نيكولاس فأسرعت اليه تحضنه وتتفقده، فقال من بين أسنانه: "لا تفعلي ذلك يا أمي فهم لا يقومون بذلك هنا!!"

نظرت له باستغراب، ثم قالت: "لم افهم ما الذي لا يجب أن أفعله!!"

قال لها بعد أن حي والده وجلسوا إلى الطاولة المخصصة لهم: "هؤلاء كلهم مجرمون يا أمي، لا يجب أن أظهر بمظهر الضعيف بينهم."

قالت بتهكم: "اذا، حضن ام مشتاقة لعناق ابنها أمر غير مرحب به هنا!!"

تبادلوا الأحاديث حاول فيها الوالدان التخفيف عن ابنهما.


--

أما سارة فهي تسعى جاهدة لمحاولة إثبات برائة آدم وأصدقائه، كانت تقوم بذلك بمساعدة كريستيان وتحت دعم منه.

قررت هي أيضا أن تذهب إلى زيارة الحي الذي كان يقطن به كلارك، وذلك على أمل أن تجد هناك ما قد يفيدها.

ذهبت هي والسائق، وما إن دخلوا حتى قفزت أمام عينيها ذكرى مؤلمة بعيدة، حيث كانت تركض وقلبها مملوء بالرعب وخلفها يركض شابان يحاولان الإعتداء عليها، لا يمكن أن تنسى تلك الأيام أبدا.

لولا لطف الله بها في ذلك اليوم لكانت الآن ربما ميتة او مكروه ما حدث لها، طردت الذكرى بهزة من رأسها، ثم طلبت من السائق أن ينزلا قليلا حتى يشاهدا الناس في هذا الزقاق وإن كان هناك أمر ما يشير إلى ما حدث في ذلك اليوم.

إلا إن الناس هنا لم يكونوا متعاونين بل كانوا ينظرون إليهم بشك وريبة!

جلست سارة في مقهى مرعب بالنسبة إليها ولولا حاجتها الماسة إلى معرفة أشياء عن الحادثة لكانت من المستحيل أن تدخل إلى مكان كهذا، حتى كريستيان لا يعلم بوجودها فيه، جلس السائق بمكان ليس ببعيد تحسبا لأي طارئ.

اخذت تنظر للأجواء حولها ولكن لم تستطع أن تسأل أحد، حيث أن الرجال والنساء في هذا المقهى يبدون صعبي المراس حادي المزاج.

ومن غير أنهم ينظرون إليها بنظرات شك بسبب شكلها الخارجي الذي يدل على إنها ليست منهم.
وعند هذه النقطة قرر أحد رواد المقهى إزعاجها، حيث وضع كوب كبير من البيرا أمامها وجلس وقائلا: "هل تشربين كوب من الجعة معي!"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي