40

(من يكون المجرم ؟)

كان اليوم حافلا منذ الساعات الأولى للصباح في منزل آل جراي، فقد قرر العريسان كريستيان وسارة العودة إلى المنزل.

وذلك بعد ان احس كريستيان ان هناك امر ما يحدث، فصوت والده ووالدته لم يعجبه هذه الايام، وعندما يسألهم بخبرونه ان لا شيء سوى ان والدته اصابها الملل بسبب قدمها المكسورة مما اثر على مزاجهما.

ولكنه يشعر بأن الموضوع اكبر من هذا بكثير، خصوصا ان ميليسا لم تعد تذهب إلى الشركة للعمل حسب ما اخبره به مساعده!
وبعد ان صارح سارة بم يشعر قررا العودة.

سوزي على رأس الخدم بالرغم من قدمها المكسورة التي تعرج بها فهي تقوم بالتحضيرات من تجهيز غرفة كريستيان بمفارش جديدة وستائر وبعض الاكسسوارات وايضا بخور عربي برائحة جميلة.

وقفت ميليسا امام باب الغرفة بإستمتاع وهي ترى والدتها تأمر الخادمات هنا وهناك.

قالت ميليسا مبرح: "لم اركِ تجهزين هذا كله لفيرونيكا!؟"
سوزي: "لم هذه السيرة البشعة الان!؟"
نظرت نحوها احدى الخادمات ثم التفتت تكمل عملها.
ضحكت ميليسا ودخلت اكثر الى الغرفة ورمت نفسها على السرير الكبير وقالت بجدية:
"من قال لكِ انهما سيبقيان في المنزل معنا؟ ربما يقرران شراء منزل او شقة او البقاء في شقة كريستيان التي في قلب المدينة او حتى البقاء فندق!"
نظرت نحوها سوزي بتفكير ثم قالت: "اتعتقدين ذلك؟ ثم انهضي ايتها اللئيمة من على السرير سيصلون في اي لحظة واريد كل شيء جميل".

توجهن ميليسا وسوزي الى الاسفل وسوزي ترتكز على ذراع ميليسا، ثم قالت سوزي بقلق حقيقي: "هل تعتقدين انهم سيفضلون العيش في منزل مستقل؟"

ميليسا: "هذا من حقهم يا امي"
سوزي: "اخشى ان يتغير ويبتعد عني كريستيان بسبب تغيير دينه"
وصلوا الى غرفة الجلوس وجلستا متقابلتان، اما جورج فمنغلق على نفسه في مكتبه كالعادة.

ميليسا: "كريستيان رجل ذكي وعقلاني، لن يفعل شيء كهذا ابدا يا امي"
سوزي: "لقد حضرت لهم هيلين الدجاج بالكريم وكرات اللحم وبعض المقبلات وكعكة الكرز، وقد اوصيت السائق ان لا يحضر الا لحوم مذبوحة على الطريقة الاسلامية"

دقائق وفُتح الباب، ودخل كلا من كريستيان وسارة، كانا يبدوان بحالة جيدة والسعادة ظاهرة على وجوههم، قام السائق ماركو بإحضارهم من المطار.
اسرع كريستيان نحو والدته التي غمرته بشوق، واما سارة وميليسا فتعانقتا ثم اتجهت سارة نحو سوزي تعانقها.
جاء جورج وكان يبدو كئيبا، فيبدو انه يحمل هم ما يحصل مع ميليسا اكثر من ميليسا نفسها وسوزي.

لاحظ كريستيان مزاج والده المتعكر فطلب منه ان يتحدثا قليلا في المكتب على انفراد، وما ان وقفا حتى نظرتا ميليسا وسوزي الى بعضهما بقلق.

وفي المكتب جلس جورج على طاولة المكتب وكريستيان قبالته.
قال جورج: "كنت اعتقد انك لن تعود بهذه السرعة"

كانت نظرات كريستيان ثاقبة كالعادة ويوجهها الآن نحو والده، عله يسبر اغواره.
"ثلاثة اسابيع كثيرة على ما اعتقد، الا اذا كنت لم تشتق لنا بعد، حينها نستطيع العودة"
حاول كريستيان المزاح ولكن مزاج جورج لم يكن جيدا، حتى انه يبدو وكأن لم يسمع ما قد قد قيل للتو!

مسح كريستيان بيده على وجهه بنفاذ صبر ثم قال: " ما الخطب يا والدي هل هو امر خطير الى هذه الدرجة؟"

نظر والده اليه ففهم كريستيان انه كذلك، قال جورج وقد ابعد نظره لينظر نحو النافذة وكأن ما سيقال صعب عليه!
اشتدت اعصاب كريستيان فهو لم يعتد من والده كل هذه المشاعر والدراما.
جورج: "ميليسا! اختك ميليسا تعرضت الى محاولة القتل، قتل تحت سبق الاصرار والترصد"

خطرت جميع الافكار السيئة في ذهن كريستيان من افلاس، سرقة او حتى طلاق والديه ولكن هذا لم يخطر في باله ابدا، فمن سيخطر في عقله ان ميليسا الطيبة يحاول شخص ما ايذائها.
كانت معالم الصدمة واضحة على وجه كريستيان، اكمل جورج كلامه وقال: "وهناك بعض من تسجيلات الكاميرا توثق تهديد القاتل لميليسا واصراره على تنفيذ تهديده"

شغل جورج جهاز الكمبيوتر المحمول الذي امامه ثم وجهه نحو كريستيان.

نظر كريستيان ناحية والده ثم ناحية تسجيلات الكاميرا، مد يده وشغل التسجلات، شاهدها بصمت، مشاعره تتحرك بغضب داخله وهو مستغرق في المشاهدة، حتى لاحظ شئ اثار دهشته وتحفظه.

كريستيان: "الم تصلوا لشئ؟"
نفى جورج الامر بحركة من رأسه، وكأنه قد مل الحديث المستمر حول الموضوع دون نتيجة تذكر، فهو لا يستطيع تحمل ان يفقد احد ابنائه وخصوصا تحت يدي قاتل مجنون.

تحدث جورج وكريستيان مطولا حول تطورات الموضوع وحول هذا الشاب جاك، ذاك الرياضي المشهور والذي يشعر جورج ان به شيء ما مريب او غامض.

"انها حتى تُبَرِّأُ الجميع، ولم تذكر الى المحققين ولو اسم واحد، انها ترى الجميع بريئ!"
قال جورج ذلك بصوت حزين.

رد عليه كريستيان وهو يحاول ان يكون واثق: "لا تقلق يا ابي، ستكون ابنتك ميليسا بخير ان شاء الله تعالى، سنحاول ان نجد الفاعل في اسرع وقت وسنشدد الحراسة حول المنزل"

ربث جورج على كتف ابنه وحثه لكي يخرجوا اليهم قبل ان تأتي سوزي فهي بالتأكيد مشتاقة لإبنها.
ولكن كريستيان استوقفه قائلا: "كان يجب عليك ان تخبرني منذ اللحظة الاولى، فليس من المعقول ان تتحمل كل هذا وحدك"


يجلس المجرم في غرفة مظلمة كان قد اقفل ستائرها، ولا ينير ضوء تلك الغرفة الا جهاز حاسوب محمول موضوع على طاولة في ركن الغرفة.

كانت جدران الغرفة مملوءة بالصور، العديد من الصور لميليسا، اخذ المجرم قلم حبر احمر ووضع دائرة حول وجه ميليسا ثم كتب "تشويه".

وابتعد عن الحائط لتكتمل الرؤية للحائط كاملا، الحائط مملوء بصور لنساء آل جراي ميليسا وسوزي وسارة!

باللباس الاسود الذي يغطيه كاملا ماعدا وجهه المختفي في ظلام الغرفة، توجه نحو الهاتف الموضوع على الطاولة بجانب الحاسوب، اخذ الهاتف وقام بالعمل قليلا على برامج على الحاسوب ثم ادخل رقم ما واجرى اتصال، انتظر قليلا حتى جاءه الرد، فإبتسم ابتسامة ساخرة وقال بصوت طبيعي: "مرحبا ميليسا"
ولكن الصوت الذي كان يصل إلى اذني ميليسا مختلف كليا، معدل بواسطة برنامج حاسوب ليصل اليها صوت غليط للغاية.
واما رقم الهاتف فهو رقم وهمي، والمكالمة يتم تتبعها بعد مرور نصف دقيقة من المكالمة.
فالمجرم يعلم ان رقم ميليسا تحت مراقبة الشرطة حاليا.
جاء صوت ميليسا مرتبكا خائفا وهي تقول: "من؟ من انت؟ ماذا تريد مني"

ضحك بصوت عالي مستمتع بعذاب الفتاة، وقال: "الا تتعبين حقا من هذا السؤال ؟"

هناك بعض الضجيج بجانب ميليسا ويبدو ان احد ما يحدثها، سكتت قليلا ثم قالت: "هل تريد مال؟ سنرسل لك اذا كنت هذا ما تريده!؟"

قال بصوت حاقد: "لا اريد مالكم يا آل جراي، كل ما اريده هو ان اقتلك يا أيتها .......، واشرب من دمكِ القذر، وقد اتصلت فقط لأذكركِ بذلك!"
ثم اقفل الخط، ووضع الهاتف بهدوء وجلس يشرب كأس من النبيذ.



ميليسا:

كانت ترتجف وهي تقف ممسكة الهاتف بين يديها، دموعها تنسكب بدون اي صوت، تقفان حولها سارة وسوزي، اللتان تبدوان كشبح من الاموات الغابرين، فما سمعتاه من كمية كره وغل تشيب له الرؤوس.

دخل جورج وابنه كريستيان ليجدوا النساء الثلاثة في حالة صدمة وذهول.
اسرع كريستيان نحو امه وزوجته واخته وهو يقول: "ماذا هناك، ما الذي حدث؟"

ولم يكمل جملته حتى سمع صوت ارتطام خلفه.
التفتوا جميعهم ليجدوا جورج قد ارتمى على الاريكة ويتعرق بشدة وهو يفتح ازرار قميصه. ركضوا جميعهم نحوه مسرعين.

ميليسا: "ابي، انه مجرد شخص مجنون، انا لست حتى متأثرة، واعلم انه لن يحدث لي اي شيء"

سوزي تجاهد بقدمها المكسورة لتنحي فوق زوجها وتعطيه رشفة من الماء.

كريستيان: "سآخذ ابي الى الطبيب، لا تغادرو المنزل"

سارة: "ولكن آدم ينتظرني في المحطة"
كريستيان: "لا تقلقي سأخبر جيڤان ان يحضره لي في المستشفى او يبقيه معه في منزله حتى اذهب واحضره"
ثم شدد على كلمة: "اطلاقا، هل فهمتهم"

ذهبت سوزي الى غرفتها فقد قالت ان قدمها تؤلمها بشدة بسبب الوقوف عليها مطولا.

اما سارة وميليسا جلستا بجانب بعضهما، اتكأت ميليسا على ركبة سارة وبدأت سارة تمشط لها شعرها.
كانت ميليسا لا شعوريا تنظر بشكل متكرر الى هاتفها وكأنها تنتظر مكالمة ما او رسالة، وهذا ما لاحظته سارة، فإعتقدت انها تفعل ذلك بسبب خوفها من تلقي اتصال آخر، ولكن ميليسا كانت في انتظار مكالمة او حتى رسالة من جاك، ولكنه لم يفعل، لم يعتذر حتى عن كلامه الجارح.
وهذا ما زاد من استيائها، فهي لا تحب شعور الحاجة الى اي شخص.
وبعد فترة من الصمت قالت ميليسا
"انتِ متعبة من السفر، اذهبي ونامي قليلا حتى يعود والدي وكريستيان، فأمي قد جهزت على شرفكم طعام ابنها المفضل"

اجمل ما في ميليسا روحها المرحة حتى في احلك مشاكلها وظروفها، ربما هذا ما يجعلها قوية، فبعض البشر سر قوتهم في تجاهل الكوارث والاستمرار في الحياة رغم لظروف القاهرة او المؤلمة.

قالت سارة بإصرار: "لا لن اتركك ابدا، ولا تناقشيني في ذلك"


جورج؛

لم يتحمل مظهر ابنته وهي خائفة، ولا يستطيع تحمل حدوث شيء لها، عند بداية زواجه انجبت زوجته ابنه كريستيان وسعد به كثيرا، ولكن اصابت زوجته بعض الامراض مما اخر من حدوث اي حمل آخر.
وبعد ان اصابهم اليأس بعد قرابة العشرة سنوات من المحاولات، جاءت ميليسا لتلون حياته، احبها كثيرا جدا، وكذلك فعل كل افراد العائلة، والدتها احبتها بطريقتها الخاصة، كانت تريدها افضل فتاة في آل جراي كلهم.
اما هو فكانت تكفيه ضحكاتها ومشاكساتها وايضا جرئتها في تحدي أوامر والدتها الصارمة.
كانت بهجة هذا المنزل والوانه، ولا تزال كذلك. لا يستطيع تحمل خسارتها، وبهذه الطريقة الصعبة.

لا يحب ان يراه احد وهو ضعيف، ولكن ما حدث منذ قليل خارج ارادته لم يستطع تحمل الالم واليأس والخوف وعدم الامان الذين رآهم في عيني ابنته.

هو يدعي الرب ليطيل عمره حتى يلقوا القبض على هذا المجرم ويطمئن على ابنته فقط.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي