74

(العشق الغريب)


كلوديا؛

خرجت من السجن بعد زيارة إبنها وهي حزينة للغاية، تمنت لو أن توماس كان معها، ولكنه كان غائب، لا تسمع بأخباره، فقط الخادم يقول لها إن سيده إتصل وهو يسأل إن كانت تحتاج لشيء ما، وكل ما يصلها منه هو رسالة تحويل مبلغ مالي لحسابها.

وكأنها لا تحتاج منه إلا المال، هي امرأة غنية جدا لديها أموال لا تأكلها النيران، وطوال حياتها عاشت في الغنى، طفلة لعائلة ثرية ومن أغنى العائلات في أمريكا وفي إيطاليا بلدها الأم أيضا.

ركبت سيارتها وهي تفكر، كم آلمها ابنها جيف حين كان ينظر حوله في كل مكان بحثا بعينيه عن والده، أحقا يا توماس هذا ما تريده!! الإبتعاد بصمت عن عائلتك!

أحست بتعب مفاجئ ووهن، وكأن لديها هبوط في الضغط، ركنت سيارتها جانبا ووضعت رأسها على المقود البارد، أحست بأن رأسها ساخن ومتعرق، لم أراحها ملمس المقود البارد.

فجأة أحدهم طرق على زجاج نافذتها، رفعت رأسها بنقزة فقد كانت غارقة في أفكارها، إنه شرطي المرور، أنزلت زجاج النافذة فقال لها: "هل أنتِ بخير يا آنسة؟"

قالت بابتسامة إعتذار: "نعم، نعم أنا بخير."

قال الشرطي: "تبدين شاحبة، هل أستدعي لكِ سيارة إسعاف!؟"

فتحت فمها على هيئة حرف الواو في تفاجئ هل تبدو شاحبة لهذه الدرجة!

أومأت برأسها نفيا وهي تقول: "لا داعي، شكرا لإهتمامك سيدي."

طرق طرقة خفيفة على سطح السيارة وهو يرفع جدعه ليقف، وابتعد عن النافذة قليلا وقال: "اذا في هذه الحالة، عليكِ بالابتعاد يا سيدتي، وإلا سأضطر لأصرف لكِ مخالفة، هذا المكان غير مخصص للركن"

ابتسمت له بتهذيب وشكرته وانطلقت، نظرت لوجهها في المرآة ووجدت أنه شاحب فعلا لدرجة كبيرة، يا إلهي وكأن الدم قد سحب منه. توجهت فورا نحو أقرب عيادة في الطريق.

وما إن ركنت سيارتها ودخلت من باب العيادة حتى شعرت بوهن شديد وأوشكت على السقوط، إلا أن طبيب كان يصادف دخوله من الباب في نفس اللحظة، أمسك بها وحال بينها وبين السقوط على الأرض.

آخر ما سمعته هو رجل يقول: "طوارئ بسرعة!"

وبعد برهتة من الوقت استيقظت لتجد نفسها مستلقية على سرير في غرفة من غرف المستشفى، إعتدلت في جلستها ووجدت نفسها وحيدة في الغرفة ومحلول ما معلق في يدها.

دخلت ممرضة وما إن رأتها قالت: "لقد أفقتي، هذا جيد."

"ماذا حدث لي؟" قالت كلوديا.
نظرت لها الممرضة في تفهم وقالت: "إغماء بسيط لا تقلقي، ما إن ينتهي المحلول سآخذك إلى مكتب الطبيب."

نظرت كلوديا ناحية المحلول ووجدت إنه شارف على الإنتهاء، يا إلهي يبدوا أنها منذ مدة جيدة وهي هنا، نظرت إلى ساعة يدها وتفاجأت، تقريبا منذ حوالي الساعة والربع!!

ما أن إنتهى المحلول حتى ساعدت الممرضة كلوديا على أن تنزل من السرير، سألتها إن كانت لا تزال تعاني من الدوار فنفت كلوديا ذلك.

توجهتا نحو مكتب الطبيب، طرقت الممرضة على الباب ودخلوا.

كان الطبيب رجل في حوالي الثلاثين من عمره، في مثل عمر توماس تقريبا، يبدو أمريكي الأصل ذو شعر أصفر ووجهه خالي من اللحية على عكس توماس!

هزت كلوديا رأسها، ما كان هذا!!؟ لما تقارن هذا الرجل بزوجها توماس!

قال الطبيب وقد شاهد ردت فعلها: "سيدتي هل لا زلتِ تشعرين بالدوار؟"

انتبهت كلوديا إلى أن الطبيب كان مركزا عليها، فهذا طبيعي، فهو سيراقب حالة المريض لديه!

جلست بعد أن أشار لها الطبيب بأن تجلس على الكرسي المقابل له على المكتب.

خرجت الممرضة من المكتب بعد أن إستأذنت.

لم يكن المكتب مكتب طبيب نهائيا!
كان عبارة عن مكتب بطراز عملي ووظيفي، يحتوي على ملفات وأجهزة حاسوب.

قطع الطبيب حبل أفكارها حين قال مجيبا عما يجول بخاطرها: "أنا الطبيب هدرسون، فريدريك هدرسون، مالك ومدير هذه المستشفى!"

نظرت له كلوديا ثم عرفته بنفسها، فابتسم لها وقال: "لقد سمعت الكثير عن عائلتكم، تشرفت بمعرفتك سيدتي."

ثم بدأ يسألها أسئلة شخصية ليشخص حالتها التي كان يعرف سببها مسبقا.

أجابت عن كل ما تستطيع قدر استطاعتها، لا تريد أن يعلم أي أحد بحالتها النفسية.

ابتسم لها الطبيب وقال: "أنا أهنئك يا سيدتي فبعد التحاليل التي أجريناها وأنت فاقدة للوعي، تبين لنا بأنكِ حامل!"

نظرت له كلوديا بصدمة، وعكس ما كان يتصور من أنها ستكون سعيدة جدا بهذا الخبر، بدت متفاجأة ومصدومة.

لم تكن تتوقع أن العلاج الذي أخذته من أجل حل مشكلة الإنجاب سينجح سريعا!

يا إلهي، ربما لم يكن يجدر بها العلاج، هل هي حقا مستعدة لإنجاب طفل آخر في ظل هذه الظروف الكارثية!! إنها لا تعلم حتى زوجها أين يكون!؟

لاحظ الطبيب عبوسها فعلق قائلا: "طفل غير مرغوب به!"
وقعت الكلمة على عليها كالسكين الذي يخترق القلب مباشرة، فوضعت يديها في حماية على بطنها، ولكنها لم تنكر في عقلها حقيقة ما تمر به خلال زواجها.

قال الطبيب ممازحا بعد أن لاحظ ردة فعلها: "ليس وكأنني سأنتزعه منك!"

حينها فقط لاحظت أنها عابسة وأي شخص سيلاحظ أنها مرهقة ومنزعجة بسبب هذا الخبر، فقالت بإبتسامة تسامح: "على العكس فأنا أرغب بطفلي، ولكن فقط كما تعلم ظروف الحياة، لا يعني هذا أنني سأتخلى فهو من هذه اللحظة فلذة كبدي!"

كان الطبيب يلاحظها عن كثب فقد لفتت إنتباهه منذ الثانية الأولى التي سقطت فيها بين ذراعيه مغمى عليها، كيف لا وهي في الأساس شديدة الجمال وذات حضور لافت.

"إنه غبي" قال الطبيب وكأن الكلمة قد إنزلقت من بين شفتيه دون أن يشعر! أو أن صوت عقله خرج للمسامع دون قصد!

رمشت كلوديا مرات عدة تنظر له بإستغراب، ثم قالت: "عفوا!".

قال الطبيب بإعتذار والارتباك في صوته: "أنا آسف، في الحقيقة إن تخصصي طب نفسي ومن قام بفحصك طبيب آخر، ومن خلال ردات فعلك حول هذا الحمل توقعت أن لديكِ مشاكل مع شريكك!"

ابتسمت كلوديا بحزن وقالت: "هل هذا واضح لهذه الدرجة."

قال الطبيب بسرعة نافيا: "لا أبدا، أنا فقط لدي خبرة في هذه الأمور، وأتمنى أن تُحل مشاكلك قبل قدوم الرضيع."

أحست كلوديا بالإختناق، والدموع متحجرة في حنجرتها، وقفت وأستأذنت من الطبيب لتذهب، اتجهت مباشرة إلى قسم الإستعلامات وطلبت منهم أن يرسلوا لها الفاتورة والتحاليل إلى عنوانها بعد أن أرتهم هويتها.

لأول مرة في حياة كلوديا تقود سيارتها بتهور، مسرعة في إتجاه واحد ولهدف واحد، ستواجهه ولن تخشاه ثانية، ستنقض عائلتها ولن تكون كالسابق أبدا.

وبعد نصف ساعة من القيادة وصلت إلى المنزل المنشود! المنزل الذي تشعر فيه بالإختناق والكآبة! ركنت سيارتها ثم وقفت تنظر إلى باب هذا المنزل الضخم الذي سيصبح لها ولأولادها في السنوات القادمة.

تأملته جيدا ثم قرعت الجرس، لحظات وفتحت الخادمة الباب، كان المفاجأة واضحة على وجه الخادمة، فهم لم يعتادوا على قدومها، كان واضحا للجميع إنها لا تأتي إلا تحت إصرار من زوجها.

لم تنتظر لتتحدث إلى الخادمة بل إتجهت مباشرة نحو المكان المعتاد لوالد زوجها في مثل هذا الوقت من النهار!

في مكتبته يقرأ بعض بعض الكتب، صادفت والدة زوجها في الطريق إلى المكتبة، اكتفت كلوديا بأن تومئ لها برأسها وتسير مباشرة إلى هدفها، لن يوقفها شيء اليوم!

وصلت إلى المكتب وكانت والدة زوجها تسير خلفها وهي تقول: "كلوديا! ما الأمر؟"

ولكن كلوديا لم تكن في مزاج للتحدث حول أي شيء، فقط لديها كلمات يخنقن حلقها وتريد بصقهم لكي ترتاح!

فتحت الباب بعنف وهو أمر ليس معتاد لوالد زوجها أن يفعله أي أحد عند خلوته في مكتبه وإن كانت حتى زوجته!

رفع بصره بتفاجئ، وازداد إندهاشه عندما رأى كلوديا، كانت تبدو غريبة، أسرع إليها وهو يقول: "كلوديا؟ ماذا هناك! هل حدث شيء لتوماس؟"

كانت تنظر نحوه بغضب لم يفهمه.
"هل حدث شيء ما لجيف؟" قال.

عندما لم تجبه اقترب أكثر وهزها من كتفيها وهو يقول: "تحدثي."

هنا انفجرت فيه كلوديا وهي تصرخ بصوت عال كما لم تفعل من قبل، أو كما لم يفعل أي أحد من قبل!

"أوتسأل!!؟"

نزعت يديه بقوة من على كتفيها وأضافت: "بعد كل الألم الذي سببته لي ولعائلتي ما زلت تسأل."

وعلى صوتها جاءت اخوات توماس ووقفن أمام الباب.

تقدمت منها والدة توماس وقالت: "كلوديا!؟ ماذا دهاك حتى تتحدثي مع والد زوجك بهذه الطريقة."

ولكن كلوديا تجاهلتها وأكملت تقول: "لقد عشت مع ابنك ثمانية عشر سنة! تزوجته وأنا ما زلت مراهقة، عشت ثمانية عشر سنة من حياة زوجية بائسة وكله بسببك انت!"

كانت تخرج كل ما في قلبها، امتلئت عيونها بالدموع، نظرت له بتحدي ثم رفعت فستانها الذي كان تحت ركبتها، لتكشف عن آثار على فخذيها وقالت: "أتعلم ما هذه، إنها أثار إعتداء إبنك المريض نفسيا عليا بالضرب دون أسباب تذكر!"

أغمض الرجل عيناه والتفت إلى الجهة الأخرى، لاحقته وقالت: "اتدري ما كان يعوضني به بعد كل مرة من العنف الجسدي ضدي!"

ضحكت بهستيريا وقالت: "المال، السيارات، المجوهرات، الالماس!"

اغمضت عينيها بألم واكملت: "ولكنني لم أكن أتغرضى عن إهانته لي بسبب المال، بل لأنني أحببته!"

أحست فجأة بالوهن وتقدمت نحو كرسي وجلست عليه.

قال هو وكأنه يريد ابعاد التهمة من عليه: "وما شأني أنا في كل هذا، إنها مشاكلكما الزوجية!"

قالت بغيظ: "بل لك كل الشأن، أنت من ربيت وحشا بدون مشاعر بدلا من ابن، انظر إلى بناتك، انهن حتى لا يسألن عن اخيهم بسبب قسوته عليهن وكله بسببك."

ادمعت عيون البنات اللاتي صدف انهن كن في زيارة عائلية لوالدتهن، لقد نسين الماضي منذ زمن، منذ أن تزوجن، ولكن كانت هناك هوة عميقة بينهن وبين أخيهم ووالدهم.

أما والدة توماس فقد كانت سلبية توافق زوجها على كل ما يفعل!

"أنا حامل، وإبني مسجون، وزواجي مهدد بالانهيار، وزوجي مختفي، كل هذه المشاكل بؤرتها أنت، اللعنة لقد أثرت معتقداتك البشعة حتى على إبني، هو أيضا يعاني من إضطرابات نفسية!"

كان كلامها قد إخترق جدار القسوة التي بحيط به إلى داخل النقطة الصغيرة من العاطفة التي تكمن في جانبه الأيسر.

"ماذا تقصدين بأن إبني مختفي، إنه حدثني منذ يومان."

قالت بحزن: "إنه يحدث الجميع ما عدا أنا، ربما يكون قد هجرني!"

أخذت حقيبتها وخرجت كما دخلت دون حتى إستأذان أو كلمة.

--

نيكولاس؛

الهدوء يعم المكان سوى من صوت مسجون يتحدث عن تجربته السيئة في عالم المخدرات، في حلقة إعادة التأهيل مع المعالجة، يجلسون القرفصاء على الارض في دائرة.

عندما إستمع نيكولاس في عدة حلقات التي حضرها، إلى قصص العديدين البائسة في الحياة وأسباب توجههم إلى تعاطي المخدرات، أحس بالخجل من نفسه، إن حقا لهم أسباب قاهرة.

بعد أن إنتهى الشاب الذي كان يتحدث، توجهت له المعالجة بالحديث وقالت: "نيكولاس! أنت لحد الآن لم تشاركنا بقصتك، أرجوا أن تتشجع وتخبرنا بها لتكون حافزا لغيرك على تحدي الصعاب!"

نظر ناحية المعالجة بخجل، لا يعرف ما سيقوله لهم، فنظرت هي له وهي تشجعه بنظراتها وقالت: "كان أخي أحد المدمنين وكنت أحبه كثيرا جدا، ولكن الموت سرقه منا بسبب تآكل في الكبد، كنت صغيرة ولذلك أصريت على أن أكون مساعدة المدمنين للتخلص من هذا الوباء."

"ليس هناك سبب، في يوم كنت غاضبا من أبي وأمي أنهما تخلفا عن مباراة البيسبول التي كنت البطل فيها، كنت منزعجا منهما بغباء."

قال نيكولاس ذلك وتنهد بعمق وأكمل: "عندما عدت إلى السكن الداخلي لم يقوما حتى بالإتصال بي، غضبت للغاية، وزميلي في الغرفة قد أتى إليه صديق زيارة وخرج لسبب وتركه معي في الغرفة."

التمعت عيناه وكأنه أدرك شيء ما فجأة وهو يتحدث عن الأمر، ثم أضاف: "ناولني ذاك الشاب حبة أخبرني أنها ستهدئ أعصابي، تناولتها وللأسف لم أتوقف عند هذا الحد!"

ثم رفع بصره إلى المعالجة وأكمل مبتسما بحزن: "وها أنا ذا!"

"هل حاولت يوما فعل مثل هذا الشاب؟ أي قمت إعطاء شخص ما مخدرات من أي نوع ليصير مدمنا مثلك!" قالت المعالجة.

فأومأ نافيا وقال: "لا، لم أفعل ذلك أبدا، حتى أن لدي صديقان مقربان، وكنت حريص على ألا يعرفا شيئا حول الأمر."

ثم ابتسم عندما ذكر صديقاه وقال: "انهما حتى لا يدخنان وأحدهما لم يتذوق حتى الكحوليات ابدا!"

صفق له كل الحاضرين فإستغرب تصرفهم، فقال له الشاب الذي لعب معه كرة السلة: "أتعلم أمرا! معضمنا هنا حاولنا جر آخرين معنا إلى الهاوية، كنا نريد أن نشعر بأننا لسنا الوحيدون، أنت حقا تستحق التقدير"

كان نيكولاس يتوقع إستهزاء منهم بسبب ضروفه التي لم تكن اجبارية، ولكن حدث العكس!

ثم أخبرته المعالجة إن إصراره على حضور جميع الحلقات يوضح رغبته في التخلص من هذا السم ونيته الحقيقية في هذا التغير!
حيث يوجد العديد ممن هم هنا من أجل العلاج ولا رغبة لديهم في أن يتعالجوا، إنما تم إجبارهم قانونيا!

بعد أن انتهت الحلقة عاد كل شخص إلى زنزانته، أحس بشعور غريب من الراحة النفسية، ربما لأنه استمع لقصص الغير وأيضا أفرغ ما في جوفه!

جلس ليكتب مذكراته، فمنذ أن دخل إلى هذا السجن، بدأ في كتابتها، شعر بقيمة لحظات الحرية التي كان يعيشها، إن كان سيجن الثلاثين سنة القادمة، فهو سيوثق هذه الأيام وهذه المعاناة لتكون عبرة لغيره حتى لا ينجرف فيما إنجرف فيه هو.

إن كان لن يكون له وظيفة خلفة قطبان هذا السجن فسيخلق لنفسه وظيفة.

ولم يمر عليه يوم لم يذكر فيه صديقيه جيف وآدم اللذان سجنا بسببه، كم يشتاق لهما، لقد أوصى والدته أن تذهب لزيارتهما حتى يتسنى له معرفة أخبارهما.

ولكن الغريب أنه يشعر بتوتر غريب بين أمه ووالده، يتمنى ألا يكون هو السبب يكفيه شعوره بالذنب بسبب صديقيه.


فيفيان وستيف؛

ما يزال الوضع متوترا بينهما رغم مرور أكثر من شهر على طلاقهما، مهما حاول ستيف أن يتودد لها فيفيان لم تفتح له المجال أبدا.

حتى إنها تتجاهل عرضه الزواج عليها في عدد من المرات التي نسي عددها، أو ربما في كل مرة يراها يخبرها أنه اشتاق إليها ويريد منها العودة إليه!..

اتصلت به منذ ربع ساعة واخبرته أنها في مكتب المحامي من أجل إتمام بعض الأمور حتى يرفعوا قضية الاستئناف!

هو لا يشعر بالراحة إلى هذا المحامي، ليس إنه ليس بجيد على العكس، ولكن الجميع لاحظ نظراته إلى فيفيان خصوصا عندما علم إنها مطلقة، حتى توماس بالأمس عندما التقيا في مكتب المحامي أخبره بذلك وقال له حينها: "لو كنت أنا لكنت فصلت جلده عن عظمه".

وأضاف كريستيان رافعا حاجبه: "ولو إنه رمق زوجتي بهذه النظرات لكنت أعطيته لكمة أفقدته بصره!"

حينها سحب فيفيان من يدها وخرج مدعيا إن شيء طارئ قد حدث، هو لم يكن عنيفا أبدا، نادرا ما يستخدم يديه في النقاش!

ولكن ها هي فيفيان اليوم تقوم بالذهاب بمفردها إليه! غلى الدم في عروقه وهو يستنتج إنها ترفض العودة إليه بسبب المحامي!

وصل أمام المكتب ونزل مسرعا بعد أن ركن السيارة، كانت سيارة توماس قريبة من المبنى.

وصل إلى الطابق الذي فيه مكتب المحامي، دخل وأخبرته السكرتيرة إن المحامي والموكلين في إنتظاره هو وكريستيان وسارة.

فتح الباب ودخل ليجد توماس يدردش مع فيفيان، لم يكن المحامي على مكتبه، رحب به توماس ثم بعد برهة خرج المحامي من دورة المياه.

"اووه ستيف مرحبا، نحن في إنتظار كريستيان وسارة"

ثم جلس وبدئوا يتناقشون في موضوع القضية التي سترفع بعد يومان، إستأذن ستيف أن يدخل إلى الحمام، وغاب قرابة الدقيقتان ثم عاد ليجد المحامي يشرح شيئا ما إلى فيفيان وهو منخفض على كرسيها كثيرا، وتوماس ينظر بصمت وما إن رأى ستيف قادم حتى إلتمعت عيناه بمغزى.

ففهم ستيف مقصد توماس، إذ إن على ما يبدو توماس رأى سلوك ما من المحامي، لم يفكر ستيف مطولا، ولم يحسب أنه لم يعد له شأن بفيفيان، أو أنها تسمح للمحامي بالتقرب منها!

كل ما كان يراه هو الغضب.
"أبتعد عنها أيها المعتوه!"
صرخ ستيف غاضبا، وفي الثانية التالية لكم المحامي على وجهه!

صرخت فيفيان ثم قالت: "ماذا تفعل أيها المجنون!"

وانهال ستيف بالضرب في المحامي الذي بدأ يلكم بدوره، فيفيان مصدومة فستيف شخص مسالم في العادة ولا يستخدم العنف أبدا!


نظرت نحو توماس الذي كان ينظر ببرود وهو مبتسم نحو ما يفعله ستيف وكأنه أمر طبيعي.
صرخت به فيفيان: "هل أنت معتوه!؟ وتبتسم أيضا!! إنهض وافعل شيء!"

دخل كريستيان وسارة في هذه اللحظة، فأسرعت فيفيان لهما وهي تقول بشبه صراخ: "أرجوك أسرع كريستيان وأوقف ذلك المتهور." تقصد ستيف.

نظر كريستيان ناحية توماس وهو يتقدم السيدتين ثم غمز لتوماس الذي كان جالس يشرب كأسه بكل برود!

بدأ كريستيان في فك الرجلين عن بعضهما!

قالت سارة تخاطب توماس: "ما كان هذا، أشعر أن هناك أمر يجري لا نعلمه" قالت بصوت منخفض بعد أن رأت زوجها يغمز لتوماس.

"لا تقلقي، إنها فقط مجرد غيرة بسيطة!"

نظرت سارة حولها في تعجب إلى الأشياء المحطمة في المكان وقالت وهي ترفع حاجبيها وتهز رأسها: "أممم، غيرة بسيطة!"

كانت فيفيان في أشد غضبها من ستيف، ماذا دهاه؟ هل هو معتوه!؟

ما إن فك كريستيان الرجلان المتشابكان في الشجار حتى صرخت فيفيان في ستيف: "لم تفعل ذلك هل جننت!؟"

نظر لها ستيف وهو يلهث ولا يزال يشعر بالغضب، أمسكها من ذراعها وأخذ يقودها إلى خارج المكتب ثم المبنى بأكمله. كانت تحاول سحب ذراعها من بين يديه ولكنه كان محكما قبضته عليها.

خرجا إلى خارج المبنى ووصل أمام سيارته، قالت فيفيان تهدده: "سأصرخ إن لم تدعني أعود، سأقول إنك تختطفني، هل نسيت إنك لم تعد زوجي!"

قال بغضب بارد فقد إستفزته بعبارة لم تعد زوجي!: "ولهذا أنا أفعل هذا لأنني لم أعد زوجك!"

لم تفهم قصده، وأما هو لم يكلف نفسه عناء الشرح، إنما فتح باب الراكب ودفعها إلى داخل السيارة، وركب بسرعة وإنطلق يقود حيث لا تعلم هي!
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي